لكن القدر لم يمهلهم طويلًا، و الرحيل الثاني بات قريبا فالأم أيضًا مرضت، وبدأت رحلة جديدة من التنقل بين المستشفيات والعيادات، حيث لا رحمة للفقراء، وحملتاها الابنتان على أكتافهما، سهرتا بجوارها الليالي، تحاولان التمسك بها كما لو كانت الأمان الأخير، ولكن المرض كان أقوى من حبهما، ورحلت الأم أيضًا، تاركة وراءها فتاتين وحيدتين في مواجهة الدنيا، لكن عزائهما الوحيد ان الاخ موجود وحنون وان الدنيا قد فاضت عليها من خبراتها بين طيات من العمل والأحزان والأوجاع.
رحيل آخر وزيادة في المعاناة
بعد وفاة الأم الرحيل الثاني الذي قسم ظهر الاختين، ظلت الأخت الكبرى تحمل العبء وحدها، تشعر وكأن الجدران تنهار عليها، لكنها لم تكن تعلم أن القدر يخبئ لها ضربة أخرى، وفجأة، بدأ “إبراهيم” يشكو من إرهاق دائم، لم يكن ذلك غريبًا، فقد كان مدللًا، يكره العمل ويعتمد على أخواته في كل شيء، لكن مع الوقت بدأ يضعف أكثر، يفقد وزنه، ويشحب وجهه.
عندما ذهب إلى الطبيب، كانت الصدمة الكبرى: سرطان الدم، وبدا الخبر وكأنه ضربة أخرى من القدر، وكأن الحياة مصممة على أن تنتزع منهما كل من يحبانه، واحدًا تلو الآخر، ولم يكن له علاج، ولم يكن في المستشفيات الحكومية أي أمل حقيقي، وجلست الأختان تبكيان في زوايا الردهات الباردة، تنتظران أي معجزة، لكن لا معجزات للفقراء.
كان “إبراهيم” رغم ضعفه يحاول طمأنتهما، يبتسم لهما رغم الألم، ويعتذر عن كل مرة ترك فيه الحمل على أكتافهن دون أن يفعل شيئًا، وقال لأخته الكبرى بصوت خافت: “أنتِ أقوى منا جميعًا… سامحيني على كل شيء، لم أكن أفهم ما كنتم تتحملونه من أجلي.”

ثم جاء اليوم المحتوم، فلم يعد الأخوات السبع بل أصبحوا ستة حيث رحل “إبراهيم”، تاركًا وراءه أختين لم تعودا تملكان شيئًا، لا أب، لا أم، ولا حتى الأخ الوحيد الذي ظللن يحملنه رغم ضعفه.
للمتابعة أضغط هنا